ليست كل زيارة رئاسية تحمل ذات الوزن السياسي والاستراتيجي، لكن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى منطقة الخليج، مثّلت لحظة فارقة في مسار السياسة الأميركية في المنطقة، ورسالة واضحة بأن الحوار والتفاهم والدبلوماسية أولوية جديدة للبيت الأبيض.
استبقت واشنطن الزيارة التاريخية بخطوات إيجابية على الساحة الدولية، في مقدمتها الإعلان عن اتفاق تجاري مع الصين أنهى واحدة من أشرس الحروب الاقتصادية في العصر الحديث. خفّض الطرفان الرسوم الجمركية مؤقتاً، ووافقا على هدنة تجارية مدتها ثلاثة أشهر لحل القضايا العالقة. وقد استقبلت الأسواق هذا الاتفاق بارتياح كبير، ما أدى إلى تحسن المؤشرات العالمية وزيادة ثقة المستثمرين.وفي سياق موازٍ، ساهمت الجهود الدبلوماسية الأميركية في دفع الهند وباكستان إلى وقف إطلاق النار، بعد أيام من التصعيد الخطير الذي كاد أن يخرج عن السيطرة، في ظل امتلاك الطرفين السلاح النووي. هذا التحول المفاجئ نحو التهدئة، أنقذ المنطقة من خطر محدق، وأعاد تركيز البلدين إلى قضاياهما الداخلية، لا سيما الاقتصادية منها.
فالهند تعتمد على السياحة كمورد مالي مهم، إذ سجلت في عام 2023 أكثر من 18 مليون سائح دولي بعائدات تجاوزت 2.3 تريليون روبية. أما باكستان، فهي تسعى للتعافي الاقتصادي بدعم من برنامج إنقاذ من صندوق النقد الدولي بقيمة 7 مليارات دولار. استمرار التوتر كان سيؤدي إلى نسف هذه الجهود، ولهذا، فإن التهدئة لم تكن خياراً سياسياً فقط، بل ضرورة اقتصادية ملحّة.
ونجاح الدبلوماسية الأميركية في آسيا يدفعنا إلى حث واشنطن بلعب دور فاعل في وقف العدوان على غزة، ودعم مسار الحل السياسي العادل للقضية الفلسطينية. لا يمكن الحديث عن سلام دائم في المنطقة دون الالتزام بحل الدولتين، الذي يضمن الأمن والكرامة لجميع شعوب المنطقة.
وبالطبع، زيارة ترامب ألقت بظلالها على القمة العربية في بغداد، والتي رغم غياب بعض القادة، شهدت نقاشات مهمة حول ملفات المنطقة. كانت الأجواء مشحونة، ولكن محاولة جمع الصف العربي ولو على الحد الأدنى تبقى مكسباً يجب البناء عليه.
على الصعيد الوطني، شكّلت زيارة ترامب إلى أبوظبي لحظة محورية في تطور العلاقات الاستراتيجية بين الإمارات والولايات المتحدة. فالتعاون لم يعد مقتصراً على الدفاع والطاقة، بل أصبح يشمل التكنولوجيا المتقدمة، الذكاء الاصطناعي، والقطاعات المستقبلية.
لقد وصلت العلاقات الإماراتية - الأميركية إلى ذروة النضج والتكامل. فالإمارات تحتضن حتى نهاية عام 2024 أكثر من 13 ألف شركة أميركية، إضافة إلى 66 ألف علامة تجارية، بينما تندرج استثمارات الإمارات في الاقتصاد الأميركي ضمن رؤية طويلة الأمد لبناء جسور اقتصادية أكثر تماسكاً وتأثيراً. هذه العلاقات تعكس إرادة قيادية حريصة على بناء نموذج في التعاون الدولي القائم على المصالح المتبادلة بين البلدين.
إن النموذج الذي تمثله العلاقات الإماراتية - الأميركية اليوم يجب أن يكون قدوة للعلاقات الدولية الحديثة: شراكة تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون من أجل مستقبل مزدهر للجميع. ومن هذا المنطلق، نأمل أن تكون زيارة ترامب بداية لمرحلة جديدة من الحلحلة الإقليمية، عنوانها «الدبلوماسية أولاً».
والخلاصة أن العلاقات الإماراتية- الأميركية حالياً تمثل نموذجاً لما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين الدول، شعارها التعاون في كل ما يعود بالنفع والخير على الجميع، وذلك وفق نهج رسمته بلدنا لنفسها منذ بدايات التأسيس، وهي التي تمضي بثبات نحو جعل الإمارات نموذجاً عالمياً، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، إنما على صعيد نسج العلاقات الجيدة مع مختلف الدول.