السفر نافذة تفتح في جدار السكينة وسياج الرتابة والعادي، هو خروج على المألوف لاكتشاف الألفة في أماكن لم نألفها بعد، هو استدعاء الدهشة إلى حياتنا التي بات كل شيء فيها لا يثير سوى الملل، إنه توغل في المجهول كي يصير معلوماً، كي نخرج نحن من دائرة الرتابة. 
السفر توق خفي كامن في قاع الروح للامتداد، ليتأكد لنا أننا كائنات لانهائية، ربما أنه غريزة في بعض الكائنات، نحن البشر أيضاً يخضنا نداء خفي إلى ما لا ندريه بعد!، والسفر أجمل ما يكون حين لا تصطحب إلا نفسك، إلا أن نفوسنا يتيمة ومنفية في الصخب العظيم وقرقعة القشور، كم هو جميل ذلك الارتباك الذي يوقعك في شراكه لأنك نسيت أكثر التفاصيل ضرورة، لحظتها عليك أن تضحك ملء قلبك.. الضحك وحده مفتاح الحلول في الأسفار، حين تكون وحدك يغمرك الهدوء أمام كل المشكلات التي تمر بك، ماذا يعني السفر دون ارتباكات صغيرة؟ الإنسان وحده يعرف السفر ويتوق للسفر ويسافر، هجرات الطيور ليست سفراً، إنها حركة الطبيعة في تبدلاتها، وفي لغتنا العربية تبدو كلمة «سفر» وكأنها مركبة من «سين» المسافة، و«فاء» الفرار، و«راء» الرجاء. 
في ذاكرتي تتوارد صور الحقائب والحدود وأجهزة الأمن والتفتيش والوثائق والأختام، كما لو أنك متهم تسير في دهاليز الحق عام!، هذه خطوات السفر الأولى في وقائعنا كل مقتدرٍ يسافر، كل مضنٍ يتوق للسفر، السفر بيت نرتمي فيه من متاعبنا ونهرج فيه بالمسرات ولذة الكشف، إذا لم تسافر إلى مكان آخر لن تكتشف نعمة المكان الأول، كأن السفر نهج للاختبار والكشف، كأننا ونحن نجمع أيامنا للسفر، نجمع أشواقنا للاكتشاف، إلا أن السفر يثير الدهشة لأكثر الناس. فإذا رأيت رجلاً أو امرأة مشغولاً كثيراً، جداً بالحقائب والملابس والهدايا والبحث عن الفنادق، والتجول قبل شهر أو أكثر بين المتاجر والأسواق، إذا رأيت امرأ كهذا فقل - وأنت مطمئن- إنه لا يعرف معنى السفر، إذ أن السفر في معناه العميق خروج على كل شيء وكل اعتياد، السفر هو السفر، مسقوفاً بذاته، وممتداً في مراميه، في السفر أنت هنا في بيتك، وأنت هناك في المكان الذي سافرت إليه، وكلما كان حضورك هناك أكبر، كانت خسائرك مهما بلغت أقل وأصغر، أليس السفر هو الرحيل إلى الضفة الأخرى، حيث المشهد أكثر فتنة وجمالاً؟.