ما ساورني شك أبداً، في أن كأس دوري أبطال أوروبا ذاهبة لا محالة إلى باريس، لتحتفي ببطل تاريخي جديد، فما قطع هذا الشك باليقين، أن باريس سان جيرمان إن لم يُتوج، وهو في قمة نبوغه وإبداعه، مهدياً لعاشقي كرة القدم، صورة جديدة من الجمال المتحور، ستكون صوامع المتعة وصروح الأداء الجماعي الباهر قد هدمت عن آخرها.
طبعاً، ما استصغرت أبداً من يقف أمام باريس سان جيرمان في آخر أكمة مطلة على لقب الأبطال، نادي إنتر ميلان الذي وصل إلى هذا النهائي، محطماً مرايا بايرن ميونيخ، ومكسراً أحلام اليقظة لبرشلونة، لكنني بعرض المقايسات ولو على نسبية أن تكون هي المتحكم الأول في الفصل بين الفريقين، وجدت أن باريس إنريكي يبتعد كثيراً عن إنتر إنزاجي، في فلسفة اللعب المبتكرة، وفي منظومة الأداء، وأيضاً في الخامات الفنية لرجال التطبيق على أرضية الملعب، فقد كان إنريكي متقدماً في المتخيل التكتيكي على زميله إنزاجي بمسافات.
لا خلاف على أن ما لم نتوقعه، أنا ومن كان موقناً معي بأن الكأس ذات الأذنين الطويلتين ستذهب للمرة الأولى في التاريخ، لتستوطن متحف أمراء الحديقة بعاصمة الأنوار، هو أن يكون باريس بذاك السعار الرهيب، تبرز له أنياب قاطعة، وأن يكون إنتر ميلان بذاك الوهن الغريب، فيحصد الهزيمة الأكبر في تاريخ النهايات الأوروبية، إلا أن مجريات المباراة، ووصول الفريق الباريسي إلى قمة إبداعه في تنزيل أسلوب مدربه إنريكي، يفسران، إن كانت هناك حاجة إلى تفسير، أن نهائي الأبطال جمع فريقين ليسا من وزن الإبداع نفسه، ولا من فصيلة الأداء الجماعي نفسها.
ما يهم أن هذا الذي جلس على قمة كرة القدم الأوروبية، قدّم نموذجاً من كرة القدم المتحولة التي بشر بها مدربون كبار، من بيب جوارديولا إلى يورجن كلوب، وصولاً إلى لويس إنريكي، وهي تقوم على سرعة ودقة ونجاعة التحول بتمظهراته كافة، كرة قدم أبقت على روح «التيكي تاكا» في فرض الضغط القاتل على حامل الكرة، ولكنها عالجت ورماً كبيراً أصابها، وهو تعرية الظهر الدفاعي.
نجح لويس إنريكي بطريقته، في أن يعطينا نموذجاً مستحدثاً لكرة القدم التي سيسعى إليها كل المدربين حول العالم، كرة قدم السهل الممتنع، التي يتحول معها الفريق وبعده الفكر التكتيكي وبعدهما العقل الجماعي إلى النجم الأوحد، فمع ذهاب الأساطير، شكل لويس إنريكي جوقة من العازفين الشباب، الذين يؤدون كل المقامات اللحنية بنفس القوة الجماعية، من دوناروما إلى عثمان ديمبيلي، مروراً بحكيمي، مينديش، فيتينيا، نبفيس، فابيان رويز، ديزيري دووي، حفارا وباركولا، فأعطانا ذلك معزوفة سوريالية، ترهف لها الأسماع وترق لها القلوب وأمامها سنوات لكي تخلد في الذاكرة.