تُعد كهربة كل شيء أكبر تحول يشهده النظام العالمي للطاقة منذ عقود. ومع ذلك، فإن طريق المستقبل يواجه عراقيل بسبب الحروب الثقافية، حول التحول في الطاقة ومكافحة تغيّر المناخ.
وهذا يزيد من الضغط على مؤيدي المركبات الكهربائية، ومضخات الحرارة، وتوربينات الرياح لمواجهة المخاطر التي تصاحب رؤيتهم. وتتزايد أهمية التصدي لهذه المخاطر مع ازدياد استهلاك الطاقة. فمنذ عام 2010، نما الطلب العالمي على الكهرباء بوتيرة تكاد تكون ضعف سرعة نمو إجمالي استهلاك الطاقة. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه، جزئياً بسبب التقنيات الجديدة الشرهة للإلكترونات، مثل مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي، وجزئياً ببساطة لأن العالم يزداد ثراءً.
في الوقت نفسه، فإن الطريقة التي يلبي بها العالم الطلب على الكهرباء تتغير بشكل جذري: إذ أصبحت مصادر التوليد المعتمدة على الطقس، مثل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، أكبر مصادر الإمداد الجديدة، على عكس المصادر الموثوقة، التي اعتمد عليها العالم طوال القرن الماضي - مثل المفاعلات النووية، ومحطات الفحم، ومشاريع الطاقة الكهرومائية الكبرى. ومع ذلك، لا يزال التفكير العالمي بشأن أمن الطاقة يركّز بقوة على الجغرافيا السياسية للوقود الأحفوري والشرق الأوسط، بدلاً من العالم الجديد المعتمد على الإلكترونات. ولم يحدّد مسؤولو الطاقة بعد المخاطر المترتبة على كهربة كل شيء بدقة.
لحُسن الحظ، بدأت الحكومات تُدرك هذه المخاطر. تقترح الوكالة الدولية للطاقة رفع «أمن الكهرباء إلى أولوية سياسية استراتيجية». ففي ورقة سرية تم إعدادها قبل اجتماع حول أمن الطاقة تم تنظيمه مع الحكومة البريطانية في لندن يومي 24-25 أبريل، أبلغت الوكالة الحضور بأن «أمن الكهرباء أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى».
ومن الصعب أن يختلف أحد في بريطانيا مع هذا الرأي: فقبل بضعة أسابيع فقط، توقفت عمليات مطار هيثرو بعد أن اشتعلت النيران في محول كهربائي في محطة فرعية قديمة. للأسف، يرى بعض نشطاء البيئة، الذين لا يرون أي مشكلة تقريباً في كهربة كل شيء، أن أي مخاوف تُطرح ما هي إلا محاولات لتأخير التحول الضروري بعيداً عن الوقود الأحفوري.
وفي المقابل، لا يرى منكرو تغير المناخ أي مشكلة إلا في مصادر الطاقة المتجدّدة والمركبات الكهربائية وغيرها من التقنيات الصديقة للبيئة، متناسين جميع المخاطر التي يجلبها النفط والغاز والفحم. وبين هذين الموقفين تكمن الحقيقة. يتمثل أول المخاطر المرتبطة بكهربة كل شيء في تلبية الطلب الهائل الإضافي على الإلكترونات. فمن المتوقع أن يرتفع استهلاك الكهرباء العالمي كل عام من 2025 إلى 2027 بما يعادل استهلاك اليابان اليوم. وإذا لم تتمكن مصادر الطاقة المتجددة من تلبية هذه الزيادة، فستكون هناك حاجة إلى مصادر بديلة.
وللأسف، لا تزال الصين تعتمد على محطات الفحم لتلبية نمو الطلب على الكهرباء، وهو ما يشكّل خطراً كبيراً على البيئة. وغالباً ما يُنسى أن الفحم، رغم الحديث المتزايد عن النمو في إنتاج الطاقة المتجددة، لا يزال المصدر المفضل عالمياً لانتاج الكهرباء، حيث يوفّر أكثر من ثلث إجمالي الإنتاج. وعند إضافة الغاز الطبيعي، يشكل الاثنان معاً حوالي 50% من إمدادات الكهرباء العالمية.
الخطر الثاني هو مواءمة الطلب الذي يتطلب إمداداً مستمراً على مدار الساعة مع نظام توليد يعتمد، بشكل هامشي، اليوم على ما إذا كانت الشمس مشرقة والرياح تهب. وقالت الوكالة الدولية للطاقة في ورقتها السرية: «ستظهر تحديات منهجية في موازنة الشبكات التي تهيمن عليها الطاقة المتجددة بشكل متزايد خلال فترات انخفاض التوليد الممتدة». بعبارة أبسط: لا تزال هناك شكوك كبيرة حول كيفية عمل الشبكة الكهربائية عندما لا يكون الطقس مواتياً. وهذه حقيقة طالما تجاهلتها الوكالة الدولية للطاقة وبعض مؤيدي الطاقة المتجددة.
ومن الجيد أن يتم الاعتراف بها الآن صراحة. وهناك مشكلة إضافية: تحت الضغط لتحقيق الأهداف البيئية، تقوم شركات المرافق بإغلاق محطات الطاقة القابلة للتوزيع، والتي يُمكن تشغيلها وإيقافها عند الطلب، مثل المفاعلات النووية ومحطات الفحم والغاز. وتمثل ألمانيا، التي أغلقت جميع مفاعلاتها النووية، مثالاً واضحاً.
وقد حذّرت الوكالة الدولية للطاقة قائلة: «تنشأ نقاط الضعف الحالية من التقاعد المبكر لمحطات توليد الطاقة القابلة للتوزيع دون وجود بدائل كافية». الخطر الثالث يكمن في الشبكة الكهربائية ذات الطبيعة العنكبوتية، التي تربط مئات محطات الطاقة والمحطات الفرعية والمستهلكين. وتؤدي الاختناقات إلى تأخير تشغيل محطات الطاقة المتجدّدة لشهور أو حتى سنوات.
كما أن عقلية «ليس في فنائي الخلفي» تؤخر الاستثمارات المطلوبة لاستيعاب المزيد من إنتاج الطاقة المتجدّدة. وإذا كان الاستثمار في خطوط الكهرباء الهوائية ضعيفاً، فإن الإنفاق على خطوط التوزيع النهائية أضعف بكثير. كما أن الاستثمار في تخزين الطاقة في الشبكة لا يزال غير كافٍ. الخطر الرابع هو الطابع الخاص للكهرباء: يجب أن يتطابق العرض والطلب على الإلكترونات في كل ثانية، وكل دقيقة، وكل ساعة، وكل يوم. في المقابل، تتمتع أسواق الفحم والغاز والنفط باحتياطات كبيرة تخفّف من أي خلل. أما الكهرباء فلا تملك هذا الترف، مما يجعل النظام أكثر هشاشة. إذ يمكن لبرج كهربائي منهار أن يتسبب في انقطاع الكهرباء عن منطقة بأكملها، كما يمكن لهجوم إلكتروني أن يفصل أجزاء واسعة من الشبكة.
الخطر الخامس هو تقلب الأسعار. فقد شهدت أسعار الكهرباء خلال السنوات الخمس الماضية تقلبات أكبر بكثير من أسعار الوقود الأحفوري. في ألمانيا، تراوحت أسعار الكهرباء بالجملة قبل يوم من التسليم منذ عام 2020 بين 687 يورو (782 دولاراً) لكل ميجاواط/ ساعة وسالب 5 يورو لكل ميجاواط/ ساعة. وهذا التقلب الشديد لا يسبب فقط معاناة للمستهلكين، بل يجعل قرارات الاستثمار أكثر صعوبة بالنسبة للمنتجين.
وتُعدّ الطاقة المتجددة - والحاجة إلى محطات طاقة باهظة الثمن تعمل بالغاز كبديل خلال فترات الطقس السيئ - السبب الرئيسي وراء هذا التقلب. أول خطوة لحل المشكلة هي الاعتراف بوجودها. ومن الجيد أن الحكومات بدأت تتحدث علنًا عن مخاطر السياسات الخضراء ذات النوايا الحسنة. الآن، التحدي هو البدء في معالجتها. التحدث عن المشكلة ليس إنكاراً للمناخ. إنه واقعية الكهرباء.
خافيير بلاس*
*كاتب متخصص في شؤون الطاقة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»