ها هو دونالد ترامب يعود إلى المنطقة في فترته الرئاسية الثانية، وهي في أمس الحاجة للاستقرار وتصفير الأزمات، أكثر من ذي قبل، فسياسات ترامب في فترته الأولى، التي أراد فيها تصفير الحروب، واتخاذ خطوات سريعة لاستعادة الهدوء ووقف الصراعات في الشرق الأوسط والعالم، تتواصل الآن عبر تركيزه على التنمية الاقتصادية وتحفيز الاستثمارات وتشجيع التصنيع المحلي، ضمن شعار «أميركا أولاً».
ترامب يأتي لمنطقة الخليج تأكيداً لما تتمتع به دولها من مزايا نسبية لا تمتلكها غيرها، خاصة ما يتعلق بالقوة الاقتصادية والفرص الاستثمارية والرغبة القوية في التنمية الشاملة ومواكبة الطفرة التقنية في الذكاء الاصطناعي والفضاء والعلوم المتقدمة، ولدى دول مجلس التعاون الخليجي ميزة أكبر تتعلق بالاستقرار السياسي وهو شرط جوهري لانطلاق التنمية وتعزيز الاستثمارات. زيارة ترامب تعكس عمق العلاقات بين واشنطن والدول الخليجية الثلاث التي زارها: الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودولة قطر. وتدرك الولايات المتحدة الأميركية أهمية التعاون مع الدول الثلاث في احتواء أزمات الشرق الأوسط من جهة وفي البناء على الشراكة الأميركية مع دول الخليج، التي تزداد أهمية في ظل الطفرات التنموية الهائلة التي حققتها في المجالات كافة، ما يجعلها وجهة جاذبة للاستثمار والشراكات التنموية بمنطق «رابح-رابح».
ترامب يزور المنطقة بأجندة متفائلة ومتفاعلة مع الأوضاع السياسية والاقتصادية الراهنة، ونقطة التحدي تكمُن في التعامل مع طريقة ترامب في إدارة الملفات السياسية والاقتصادية «الساخنة»، واللانمطية التي تخرج عن المألوف، أملاً في إحراز إنجازات تاريخية، وإخماد الحروب ونزع فتيل التوتر.
وما يبعث على الاطمئنان تجاه سياسة ترامب هو إعلانه رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا، في خطوة لم تكن متوقعة حتى من قبل كبار الموظفين في وزارتي الخارجية والخزانة، خاصة أن بعض العقوبات المفروضة تعود إلى أكثر من أربعة عقود.
وهذه الخطوة تُعد بادرة طيبة على رغبة إدارة ترامب في استقرار سوريا وفي الوقت نفسه فتح باب التنمية في بلد ينتظر التعافي الاقتصادي لمواجهة تحديات المستقبل.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب رجل صفقات ليست سياسية، الذي يساعده في هذا الشأن، أنه سياسي غير محسوب على أي حزب وإن «الجمهوريين» قد قبلوا ترشحه ودعمه، وهو بالمناسبة نقطة قوة في صالحه.ترامب لديه أولى الأولويات «أميركا أولاً» وهذا أمر لا جدال حياله، وعلى كل الدول أن تفكر مثل ترامب انطلاقاً من توازن المصالح بدلاً من تصادمها.
نتائج زيارة ترامب للمملكة العربية السعودية والإمارات وقطر، تؤكد أن التنمية الاقتصادية والاستثمارات والشراكات المرتكزة على المستقبل، هي محور سياسات الدول الثلاث، وفي الوقت نفسه جوهر رؤية ترامب القائمة على الاقتصاد وصناعة الفرص.
يريد ترامب في فترة رئاسته الثانية أن يغلق الملفات الأكثر خطورة في المنطقة، وعلى رأسها ملف «الدولة الفلسطينية» المرتقبة، والبرنامج النووي الإيراني، ومن ثم ملفات سوريا ولبنان واليمن بطبيعة الحال.
في غزة القضية المفصلية التي أثرت في علاقة ترامب بنتنياهو في الآونة الأخيرة، حيث قامت «حماس» بإطلاق سراح «عيدان ألكسندر» وقدمته أثناء زيارة ترامب للشرق الأوسط، وأعلنت عن استعدادها للبدء الفوري في مفاوضات مكثّفة وبذل جهود جادة من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي لوقف الحرب وتبادل المحتجزين. وأيضاً وافقت على الخروج من الحكم في غزة، على أساس إدارة القطاع من قِبل جهة «مهنية مستقلة» بما يضمن استمرار الهدوء والاستقرار لسنوات. وقد وصف ترامب إعلان «حماس» الإفراج عن عيدان ألكسندر بأنه بادرة «حُسن نيّة» تجاه الولايات المتحدة، وجهود الوسطاء، مصر وقطر، لإنهاء ما وصفها بـ«الحرب الوحشية» في غزة.
*كاتب إماراتي