من أصعب اللحظات على الإنسان أن يفقد الطيبين المخلصين لبلادهم، العاشقين لتراب وطنهم، المحبين لمجتمعهم، والداعمين لثقافتهم وهويتهم.
نقول ذلك، ونحن نودّع محمد بن سعيد القبيسي، أحد الرّجال الأوفياء، الذي عاصر الرّعيل الأول من المؤسسين ونهل من معينهم، ثم واكب حاضرنا، وقد تعالت فيه صروح الإنجازات في مختلف القطاعات.
غادرنا القبيسي، لكن لم تغادرنا ابتسامتُه، التي كان يستقبل بها كل من يقابله.. غادرنا، لكن مجلسه مازال يعجّ بالناس الذين كان حريصاً على التواصل معهم بوجه بشوش ونفس طيّبة.. غادرنا بجسده، لكن مازالت مواقفه مع جميع من حوله حاضرة في الوجدان، عصيّة على أن تغادر الذاكرة.
تجربة ثرية امتلكها الراحل، بدأت مع ملازمته لوالده، ثم تنامت بعد أن أتمّ تعليمه، وتأثره الشديد بشخصية المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، الذي حرص على ملازمة مجلسه.
امتلك، رحمه الله، مهارات رجال الأعمال، فحرص على المشاركة في تنمية الاقتصاد الوطني، من خلال العديد من المؤسسات والشركات.. كما كان من الشخصيات الداعمة للرياضة في الإمارات، الأمر الذي تجلى في عضويته بنادي الوحدة، واستقباله لكافة الرياضيين واللاعبين في مجلس أسبوعي، وبحضور فعاليات وطنية من مختلف شرائح المجتمع.
عرفته عن قرب، وكنت شاهداً على جوانب كثيرة من رحلته الحافلة بالعطاء والعمل، والتي تجلت من خلالها صفات «الشخصية الإماراتية» في قربها من الناس، وملامسة واقعهم، واستشعار حاجياتهم، في مواقف يومية شاهدَها كل من عرفه أو اقترب منه.
عرفته، وأحببت معه شجرة الغاف التي نمت تحت أغصانها طموحاته وآماله، وزادت في ظلالها قوّة إرادته، وقد تعلم من عمق جذورها كيف تكون الصلابة لبلوغ الهدف.. ومن هنا، كانت خبرته الثرية في مواجهة الصعاب، وقدرته على الإنجاز، وانشغاله ببلوغ الهدف.
بصفة يومية، كان الفقيد يضيف الجديد لرصيده في القلوب، عطاءً وإيثاراً وتواضعاً، مقدّماً الكثيرَ والكثير من الخدمات الجليلة لمجتمعه باعتزاز بالغ وحب صادق، ليترك أثراً طيباً في كل من عرفه، الأمر الذي شهدت له أيام العزاء في مجلس البطين، الذي توافد عليه الجميع من مواطنين ومقيمين.
لا كلمات يمكنها أن تفي بمشاعر الفقد التي اجتاحتنا، غير أننا لا نقول إلا ما يرضي ربنا: «إنا لله وإنا إليه راجعون».. رحم الله محمد سعيد القبيسي، وأسكنه فسيح جناته.