التطرف كائن أعمى، الشخص المتطرف، قد يهدم بيوت العز والشرف، وقد يرتكب مكروهاً يبيد الزرع والضرع، وقد يعالج فكرة بفكرة مثل حقنة مسمومة، وقد يقتل، ويسرق، ويكذب، وكلها مكروهات تؤدي إلى خراب الضمير، وإبادة القيم، وتهشيم زجاجة الأحلام، وتحويل المرايا إلى جدران تقشرت أصباغها. التطرف مرض نفسي، يؤدي إلى التعلق بالوهم، والوهم يذهب به إلى غابات التوحش، والهمجية، والعنف، وتهريب الجمال، وتسريب أفكار لا تمت للحقيقة بصلة.
 التطرف عنوان عريض لعقد النقص، ومركبات الدونية، مما يجعل المتطرف يتعلق بصور وهمية يظن أنها السبيل لنجاته من نار الخوف الوجودي، وانعدام المعنى.
اليوم ينتشر التطرف في بقاع شاسعة من العالم، والسبب لغياب الأنا الأعلى (النموذج) ولحدوث فراغ داخلي سببه سوء التغذية لذات حرمت من الحب في الطفولة، وتتابعت النواقص حتى وصلت ذروتها في المراحل المتقدمة من العمر، وبحيث يظل الفرد يعيش طفولة متأخرة، ويمارسها كواقع، ويستمر في الممارسة حتى الممات، ولكنه حتى تنتهي هذه المأساة التاريخية في حياة الفرد، أو الجماعات، تكون النفس الأمارة قد ارتكبت مآسي، وجرائم، فادحة، يذهب نتيجتها ضحايا، وتهدر إمكانيات، وتبذر قدرات، ويصبح الخواء المعنوي القوة الدافعة إلى مزيد من الفظائع، في حق الآخر. المتطرف هو ذلك المخلوق الذي نبت في المحيط من حوله، نبتة شيطانيّة، عصيبة، تسرب الكراهية من دون وعي، وتنقل العدوى (الكراهية) مثل ما هي الأمراض الجسدية التي تنتقل بين الأفراد بالتواصل، الأمر الذي يجعلنا نقول، وبشدة، وتأكيد، إن التطرف ليس مسألة طارئة، وإنما هو داء عضال يصيب الأفراد، بتخيل فكرة، ومن ثم التعلق بها، واعتناقها وكأنها الحقيقة وما من الحقيقة بشيء، بل هي صورة وهمية التصقت بذهن المتطرف، وصارت تحيط بشخصيته، مثل الغبار، الذي يمنع العين من رؤية الأشياء كما هي. 
واليوم وبعد أن غرقت الحضارة المعاصرة بمثل هذه الأعراض النفسية المميتة، يتطلب من رجالات العلم والفكر والفلاسفة، وعلماء النفس، أن يشدوا الرحال إلى قناعات راسخة، من أنه لا بد من جمع الشمل والتوافق على التكاتف لبناء صرح علمي يقوم دوره على العكوف على دراسة هذا المرض الفتاك، وإعانة العالم أجمع على التحرر من هذا البلاء المبين، والبحث في الأسباب، التي عمقت هذا المرض (التطرف) فّي النفوس، والذي تفشى في العالم كالنار في الهشيم. 
نعم، العالم بحاجة إلى صناعة وعي جديد، وعي يخرج من عنق زجاج هذا العصاب القهري شديد المراس، وأعتقد أن ابتكار وسائل العلاج لهذا الداء، خير من الكثير من الاختراعات التي يفخر بها العالم، ويتباهى بها، ويتبناها كفتح مبين، لأن الإنسان بإمكانه أن يعيش بدون الكثير من الاختراعات المادية المبهرة، ولكنه لا يستطيع أن يعيش وسط غابة بشرية، تتنامى في المحيط الإنساني مثل الطفيليات التي تؤذي الروح والجسد على حسد سواء. التطرف كائن أعمى، وعلينا علاج بصيرته، بتكاتف العالم أجمع.