المفكرون الاقتصاديون المنتمون للفكر الاقتصادي التقليدي الحر تعودوا على التركيز في دراساتهم على السياسات الاقتصادية للدول من حيث كونها منطلقاً لإيصال نمو الاقتصاد وكفاءته إلى حدها الأقصى، والقول بأن من المفترض أن يكون التجميع الأمثل للموارد الاقتصادية هو خدمة نمو الاقتصاد الوطني للدول ضمن النمو الذي يشهده الاقتصاد العالمي الذي يعمل وفقاً لمبادئ الاقتصاد الحر.
وفي هذا السياق، فإن النجاح أو الإخفاق يتم التعبير عنه في صيغ من مقاييس إجمالية كمستوى نمو الدخل القومي الإجمالي، ومقدار نصيب الفرد منه، ومن خلال حجم التجارة الخارجية والاستثمارات ومتوسط دخل الفرد السنوي.
وضمن هذا المحتوى، فإن كفاءة الاقتصاد الوطني والعالمي تقتضي بأن تقوم جميع الدول بفتح أبوابها أمام السلع والبضائع ورؤوس الأموال والاستثمارات الخارجية، وبأن تقوم بالتخصص في إنتاج السلع التي لديها ميزة فيها، مقارنة بما لدى الدول الأخرى.
وهذا يعني أن يتم النظر إلى العلاقات الاقتصادية الدولية القائمة في عالم اليوم بأنها مفيدة بشكل مشترك حتى وإنْ لم يكن توزيع المنافع بين الدول متساوياً.
وعندما لا تقوم العلاقات الدولية بتقوية النمو الاقتصادي ما بين الدول، ولا إلى التجميع الكفؤ للموارد الاقتصادية، فإن اللوم على هذا القصور يتم إلقائه على متخذي القرار من زاوية عدم قدرتهم، أو عدم رغبتهم في السعي إلى انتهاج سياسات اقتصادية عقلانية.
بعبارة أخرى، عندما يتم النظر إلى الاقتصاد العالمي الحر بأنه يعمل على تكامل الدول، اقتصادياً وتجارياً، وبأن سياسات الدول الوطنية كل على حدة تتماشى مع مبادئ الاقتصاد العالمي التقليدي الحر، فإن ذلك سيؤدي إلى نمو جميع الدول اقتصادياً وإلى رفع كفاءتها الاقتصادية والإنتاجية، وإلى إيصال إنتاج وكفاءة الدول الاقتصادية إلى حدها الأقصى.
وبالنتيجة، فإن الإنتاج والكفاءة العالية قد وصلا إلى حدهما الأقصى أيضاً، لكن يوجد أمر موروث في هذه النظرة الإيجابية للعلاقات الاقتصادية الدولية، هو أن صراع المصالح بين الدول دائماً ما يطفو إلى السطح، ونتيجة لصراع المصالح غالباً ما تنشأ الخلافات.لذلك، فبالنسبة للفكر الاقتصادي التقليدي الحر توجد وصفة عالمية الطابع للسياسات مفادها أنه لا يوجد تفريق بين سياسات الدول التي تتبنى هذا الفكر، لأنها قائمة على نفس الأسس والمبادئ.
وهذا يعني أن القواعد الرسمية للسلوك في العلاقات الاقتصادية الدولية والسياسات الخاصة بالمؤسسات الاقتصادية الدولية التي تنفذ هذه القواعد يتم النظر إليها بأنها محايدة سياسياً.لكن مثل هذا الطرح الذي يعطينا صورة وردية لما هي عليه العلاقات الاقتصادية الدولية، هو الأمر الأكثر شيوعاً ومصداقية، ما يتطلب استخدام أطر عمل مختلفة.
إن حالة الاقتصاد العالمي والحرب التجارية التي تقودها الولايات المتحدة والحروب في أوكرانيا وغزة، وغيرها من مناطق العالم تخبرنا بأن الصراعات العنيفة على المصالح هي سيد الموقف حتى بين فاعلين اقتصاديين عالميين يحملون أفكاراً اقتصادية حرة حول الطبيعة الخاصة بالعلاقات الاقتصادية الدولية، ما ينقض الفرضية الأساسية التي سقناها في بداية الحديث التي تشير إلى أن جميع الدول ترى أهمية تحقيق أهداف مشتركة لأن الجميع سيستفيد منها.
يبقى في ختام القول، إن مصالح الدول الخاصة، كدول وطنية هي التي تحكم المشهد الاقتصادي العالمي، وكل ما يقال بعد ذلك هو مجرد نقاش تحليلي قابل للأخذ والرد.
*كاتب إماراتي