الاسم وحده قد يحمل دلالات كبيرة. فعندما اختار البابا فرنسيس، أو «خورخي برجوليو» أن يعتلي الكرسي الرسولي باسم «فرنسيس»، كأول من يحمل هذا الاسم، أشار بوضوح إلى أسلوب حبريته، المستوحى من بساطة القديس فرنسيس الأسيزي.

ولو اختار البابا الجديد اسم «فرنسيس الثاني»، أو حتى «يوحنا الرابع والعشرون» أو «بولس السابع» (تيمناً بباباوات المجمع الفاتيكاني الثاني) لكان ذلك إشارة إلى مزيد من الليبرالية، أما لو اختار اسم «بنديكتوس السابع عشر» أو «بيوس الثالث عشر»، فلربما أومأ ذلك بتحول نحو التزمّت التقليدي.

أما اختيار اسم «ليو الرابع عشر» فيعدنا، ربما، بنوع من «السلام» الذي أشار إليه الكاردينال السابق «روبرت بريفوست» في كلماته الأولى من شرفة الفاتيكان - السلام بين الفصائل المتنازعة داخل الكنيسة وكذلك في العالم الأوسع. كان آخر بابا حمل اسم «ليو» قد حكم لفترة طويلة وكان محبوباً ومذكوراً بخير من قبل الكاثوليك من مختلف المشارب اللاهوتية. وهو معروف بتدخله في النقاشات الكبرى في القرن 19 حول الرأسمالية والاشتراكية، ودعمه لإحياء الفلسفة التوماوية، وهي إرث لا يمكن وصفه بأنه «يميني» أو «يساري»، بل ببساطة كاثوليكي في جوهره، وهو ما تجد الكنيسة المنقسمة اليوم صعوبة في تحقيقه. (التوماوية هي مدرسة فلسفية نشأت كإرث من عمل وفكر توما الأكويني، وهو فيلسوف ولاهوتي).

ربما لا يستطيع أي بابا تحقيق ذلك فعلاً، وبالتأكيد هناك تفسير لانتخاب ليو الرابع عشر يؤكد فقط على استمرارية عهد فرنسيس: فهو مُعيّن من قِبل البابا الراحل فرنسيس، ودخل المجمع كمرشح مفضّل لبعض حلفائه، ويمكن للمرء أن يسرد قصة كان فيها هذا العامل الأخير حاسماً -حيث أراد بعض الكرادلة بابا أميركياً- وأن اسمه يعد بحبرية قوية ولكن لا تزال ذات ميول ليبرالية.

لكن بصراحة، بعد سنوات البابا فرنسيس، قد يرحب الكاثوليك المحافظون حتى بهذا النوع من التحول، مع بابا ليس بالضرورة في صفهم تماماً، لكنه أيضاً لا يعاديهم، ولا يدفع بقوة نحو تغييرات عقائدية قد تؤدي إلى انقسام، ويتجنب المعارك الصغيرة مثل محاولة البابا فرنسيس القضاء على القداس اللاتيني التقليدي. بابا يحاول السمو فوق الصراعات ومنح فصائل الكنيسة المختلفة مساحة للتنفس، بدلاً من أن يهدد كل مرة بالفوضى أو الصراع مع كل تعيين وكل مجمع كنسي وكل مقابلة بابوية.

ستكون هذه المساحة للتنفس ذات أهمية خاصة لأن الأسئلة التي يتجادل حولها الكاثوليك الليبراليون والمحافظون منذ ستينيات القرن الماضي، رغم أنها لا تزال مهمة، قد لا تكون هي الأهم لمستقبل المسيحية. فالثقافة الكاثوليكية المنقسمة كانت تناقش كيفية التكيّف مع أو مقاومة شكل من الحداثة الليبرالية والعلمانية، الذي لم يعد يبدو مهيمناً كما في الماضي. وكما قال الصحفي البريطاني «دان هيتشنز» في أحد أفضل التحليلات لحبرية فرنسيس، فإن الكاثوليكية اليوم تواجه «ساحة دولية فوضوية ومتعددة الأقطاب»، وأزمة ثقة داخل النظام الليبرالي، وغموضاً عميقاً حول القوى التي تمثل المستقبل فعلاً. (أوروبا وشرق آسيا في طور الشيخوخة؟ أفريقيا شابة وليبرالية؟). في الوقت نفسه، قد يكون النظام الديني في الغرب «ما بعد مسيحي» لكنه ليس علمانياً بحتاً. وكما كتب عالم الاجتماع «كريستيان سميث» في كتابه الجديد «لماذا أصبحت الديانات غير ذات شأن؟»، فإن تراجع الإيمان الديني المؤسسي لم يمنحنا «المدينة العلمانية» التي تصوّرها مفكرو الستينيات، بل إن صعود الأفكار «الخارقة، السحرية، الباطنية، الغامضة» بين الأجيال الشابة يعني أن المسيحية تواجه الآن شكلاً ما بعد حداثي من الوثنية التي تغلبت عليها ذات يوم - وضعاً ثقافياً لم تعد فيه ادعاءاتها الخارقة عائقاً، بل قد تكون نقطة جذب أساسية.

هذا المشهد أغرب بكثير من ذلك الذي دار فيه الجدل حول موانع الحمل، ومن المحتمل أن يزداد غرابة كلما تعمقنا في وجود رقمي وافتراضي يعتمد على الذكاء الاصطناعي. ولم تقدم الكاثوليكية حتى الآن الكثير مما يذكر حول ما يعنيه أن تكون مسيحياً وإنساناً في ظل هذه الظروف، أو كيف يجب أن يفكر الكاثوليك أخلاقياً وروحياً في علاقتهم بهذه التقنيات. ولكن إذا امتدّ حكم «ليو الرابع عشر»، كما امتدّ حكم ليو الثالث عشر، فقد لا يكون هناك موضوع أكثر أهمية للمؤمنين - أو للعالم. لذا فإن البابا الذي يعظ عن الأمور الخارقة وعن العالم الرقمي قد يقدم لكنيسته الكثير، وخاصة إذا كان من خلفية أميركية، لأن الأهمية العالمية للولايات المتحدة الأميركية من المرجح أن تبقى ثابتة في القرن 21. شكل الكاثوليكية المتنازع عليه لدينا هو الأقوى في العالم المتقدم، وسياستنا وثقافتنا تقدّم مسارات مشرقة لمستقبل البشرية، وأي حضارة إنسانية في هذا القرن يجب أن تنجح في الولايات المتحدة كي تنجح في أي مكان آخر. الآن وقد قدمنا للعالم بابا جديداً، فليقدم لنا هو الهبات التي نحتاج إليها بشدة في هذه اللحظة المصيرية.

*كاتب أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»