لا شيء أشد بأساً وفتكاً وهلاكاً من الكراهية، إنها الدمار الشامل الحقيقي الذين يتحدثون عنه. كم من ممالك وإمبراطوريات وحضارات، هلكت وضاعت سدى، وتعثرت بعد أن اصطدمت بالكراهية، ثم اندثرت إلى غير رجعة، لأن الحقد ينفث دخاناً أسود، فيعمي البصر والبصيرة ويذهب بصاحبه إلى زوال، ويجعل من الإنسان كائناً بمخلب وناب، ويجعل من القوة التي يتباهى بها المرء سلاحاً أصم لا يميز الصديق من العدو، فكم من صداقات حميمة، تحولت إلى عداوات نارية شرسة، عدمية وعبثية؛ لأن الكراهية تغيّب الضمير، والإنسان بلا ضمير يصبح كائناً خاوياً، فارغاً من المعنى، بل إنه يفرغ المعنى من الحياة، ويحولها إلى وعاء رثّ، تعيث فيه الحثالة فساداً، الحياة بلا ضمير تجعل من الإنسان كائناً شيطانياً، وجهته الرجس ومآله عدمية الحس، الأمر الذي تقشعر له الأبدان، عندما تسمع عن حروب ضروس، تتوغل في جهات متعددة من هذا العالم «المتحضّر»، تشعر بالأسى.. كيف الحضارة المتنمرة تأكل نفسها، وتشيخ قبل أوانها، وتنعدم فيها الرؤية والرأي السديد، ويتحول الأشخاص إلى كائنات هلامية تتصادم ببعضها، وتشعل المآرب النيران في المضارب، وتغتال النوايا السيئة الفرحة في عيون الطفولة، وتستعمر الأكاذيب القلوب، ويصير العالم غابة تسكنها الضباع، والسباع تسترخي عند شجرة تبكي على طيورها التي غادرت الأغصان خوفاً على أعشاشها. 
الكراهية ليست مشاعر، بل هي نشارة خشبية تعم الصدور والثغور، وتستولي على إرادة الذين حكمت مصائرهم، واستحكمت في قراراتهم، واليوم إذ نتأمل المشهد، ونقرأ في التفاصيل، نعلم علم اليقين أنه في الحروب الجميع مهزوم، وإن تبجح البعض، يبقى الخراب مملكة نصبتها الحروب، وصار في الأمكنة السلطة والسلطان، ويظل الإنسان يلهث خلف خداع بصرية تتراءى له أنه سوف ينتصر عندما يسفك الدماء، ويرمل ويثكل، ويسرق أرواح الأبرياء، وينهب فرحة الصغار، ويحيق بالأخضر واليابس، ولا يبقي ولا يذر.
كل هذه أكاذيب تاريخية، نسقها العقل المتهور، وصوّّرها على أنها الطريق لبسط النفوذ على الآخر، ولا يعلم هذا العقل المغدور أنه عندما يطلق رصاصة في صدر الآخر، إنما هو يغتال الحقيقة، والحقيقة هي أن يلتئم البشر تحت سماء واحدة وعلى أرض واحدة، ولا يقوى المرء بضعف الآخر، بل إن قوته مبنية على قوة الآخر، وتضامن أحدهما مع الآخر، والسير قدماً نحو غايات أهمها أن نكون معاً في طريق المحبة والتسامح.
ليس الحديث عن الحب كلاماً للرومانسية، بل هو الحقيقة، الحب سحابة الإنسان يصنع قطرها العذب، الحب نجمة الإنسان يشعل ضوءها لتنير دروب الآخرين.
فكم نحن بحاجة إلى العقلاء، وكم نحن في غنى عن المجانين الذين يعبثون بحديقتنا، ويلعبون بالنار أمامنا وخلفنا، وبجوارنا. الحياة رائعة في غياب هذه المناظر الكئيبة، والحياة مثل حسناء إن داعبتها ترعرعت، وازدادت حسناً، وإن نفرتها شاهت، وذبلت، وفقدت معناها.