إبراهيم.. طفل يبلغ من العمر ثماني سنوات، قلت له ولجميع أبناء جيله من الأحفاد: «الرمسة رمستنا واللي منكم بيتكلم إنجليزي بلف أغراضه وبوديه بيت الإنجليز». وكنت ألاحظ في اجتماعات الأسرة الممتدة أيام السبت أن إبراهيم ومجموعته قرروا الحديث مع الكبار باستخدام اللغة العربية واللهجة الإماراتية، واستخدام الإنجليزية، وبصوتٍ خافت للتحدث مع من هم في بداية العقد الثاني.
هذبتهم بصوتٍ جهوري: «نحنا شو قايلين» قالوا بصوت واحد: «سوري سوري.. آخر مرة»، ألقيت القبض على إبراهيم لأنه كان أقربهم مسافة مني وسألته: «تتذكر شو أقول لكم يوم بترمسون إنجليزي»، قال بكل صراحة وطلاقة وثقة: «بتودينا بيت الإنجليز.. بس عموة خالوة أنا عندي امتحان يوم الاثنين» قلت له وأنا أحبس ضحكة كبيرة: «يعني بتسير بيت الإنجليز عقب الامتحان؟» قال: «لا عيد ميلاد ماماه الأسبوع الياي وأنا شارلها هدية وحطيت عليها وردة بعد». كان ردي الأخير والحاسم: «عيل ارمس رمستنا وخل عنك الرطينة».
هذا الأسبوع شفت الجماعة ملتزمين بالرمسة العربية الإماراتية مع جميع أفراد العائلة عدا والدتهم. مرة أخرى أمسكت بإبراهيم وسألته: «أمك ترمسكم بالإنجليزي في البيت؟»، بحلق عيونه وباستغراب، قال لي: «طبعاً لا.. ترمسنا بالعربي كل أيام الأسبوع». أدركت أنه كان يحاول التستر على والدته «التي تمت ساكته كأن الطير على رأسها، ثم قالت: «خالوة عاشة بصراحة إنتِ صح ولازم نشجعهم على اللغة العربية عشان يوم بنسير مكة يعرفون الصلاة والدعاء والأحاديث».
بعد قليل من هذا الحوار رن هاتفي وظهرت صورة أفتخر بها مع أحد أصحاب السمو، وما إن رأى إبراهيم الصورة حتى قال: «أنا بعد ابغي أسير هناك»، فقلت له: «هذا ممكن بإذن الله، ولكن الرمسة مع سموه كيف بتكون؟» قال: «بقول له شحالك ياطويل العمر؟ ويوم بيسألني إذا كنت شاطر بقول له: نعم، حتى يوم يدزوني الأولاد في الفسحة ما أدزهم».. ولاحظت كيف أصبح إبراهيم الحارس الأمين للرمسة الإماراتية في بيتنا، وتحفيزه منطلق من مبدأ يوم تجمع الأسرة الممتدة التي نحاول قدر المستطاع أن نورِّثه بحب للأجيال ليحافظوا على هذا الموروث الذي كثير من المجتمعات تفتقده، والذي جعله إبراهيم الطفل من مؤشرات أدائه كمواطن صغير ينتظره مستقبل الإمارات الباهر إن شاء الله.
للعارفين أقول: ارمسوا رمستنا لأنها عميقة وجميلة وأصيلة، وهي التي ستبقى إن حافظنا عليها في بيوتنا وستكون محفورة في قلوب أبنائنا ورمزاً لهويتهم، هذا ما نحب أن نراه في مجتمعنا ووطننا الحبيب الآن؛ حتى يستدام.